الأباء والبنون رواية للكاتب الروسي إيفان تورجنيف وفيه تحدث عن الصراع بين المثل والأعراف والإختلاف الفكري والاجتماعي بين الشباب والشيوخ
وانا هنا لن أتحدث عن محتوى هذه الرواية وما تحمله من أدبيات خلدها التاريخ ولا عن مؤلف الرواية الذي جسد في روايته شخصيات واقعية
ولكني سأشير بسوط الجلاد إلى الفجوة العميقة بين هذين الجيلين وكيف أن ما كان محرم بالأمس على الأباء أصبح اليوم أمرآ مألوفآ للأبناء وهذا قانون من قوانين الزمان والذي أنشأ الخلاف بين أبناء يعيشون الحاضر بجميع مراحل تطوراته السريعة وبين أباء متواجدون في نفس الحاضر ولكنهم يعيشون الحسرة على الماضي
هذه الفجوة أو الإختلاف وعدم تفهم الوالدين لإستقلال الشخصية لدى أبناهم نتج عنه صراع ثقافي أجتماعي وفكري وسلوكي أيضآ
كما أن إلحاح الوالدين على وضع خطوط حمراء للأبناء يزيد من أتساع الفجوة وظلمتها
فبعض الأباء يحمل فكرآ عقيمآ ساذجآ لا منطق فيه وهو أن الأبناء جيل لا يعي لا يفهم و لا يحسن التصرف وأن الأباء وحدهم هم من يفهم ومن يدرك ومن يجيد تحريك دفة الحياة والواقع غير ذلك تمامأ فهذا الجيل وكل جيل يعيش زمنه وهو مبرمج لكيفية التعايش مع حاضره ومدرك تمامآ لما يقوم به من تصرفات ستقوده لمستقبله دون الحاجة لخبير سابق من زمن ماضي ليرسم له خطته القادمة
كما أن إقتحام معظم الأباء لأدق تفاصيل حياة أبنائهم لا يقود إلا لطريق مسدودة والخاسر الوحيد هنا هو الأبن لأنه أضاع سنينآ من عمره الثمين في تلقي التعليمات من والدية وتنفيذها تحت بند البر وهذا ليس من البرفي شيء بل من التبعية العمياء
فالبر بالوالدين أمر أخر يختلف عن التدخل في الخصوصية وفرض القوانين البشرية
وهناك على الضفة الأخرى نرى بعض الأباء وقد أتخذوا من الصراخ والدعاء على أبنائهم وسيلة للضغط عليهم لإجبارهم على تنفيذ قوانينهم القديمة والتي لن تعود على الأبناء إلا بضياع الوقت فقط
فليس من المنطق أن يطلب من هذا الجيل تطبيق تعاليم وقواعد الأجيال الماضية والبالية فنحن نسير نحو الأمام بلا شك والعودة للوراء تعيق تطور الأبناء وتقيد تحركاتهم وتحبط من طموحاتهم وتطلعاتهم المستقبلية
فهذا الجيل هو وحدة من يمتلك الرؤية الواضحة لحاضرة وهو ايضآ الوحيد القادر على المضي في طريقة دون دليل قديم أكل الزمان على معلوماته وشرب
ولن يحتاج إلى تلقي الوابل الكثيف من النصائح والإرشادات من أرشيف الأباء
لأنه وحدة من يجب عليه خوض التجارب ليصيب ويخطئ فيتعلم من عثراته لتصبح لدية الخبرة والمعرفة الكافية للمضي نحو مستقبلة بخطى واثقة ودقيقة
كما يجب علينا أن نؤمن بقدرات أجيالنا الحاضرة والقادمة أيضآ وأن نجعل منهم رفقاء لنا لنكمل معهم المسير نحو الأفق وأن لا نكون حجر عثر بائس يعيق تقدمهم فنحن لا نمتلك أبنائنا وهم ايضآ ليسوا عبيدآ لنا فهم أحرار طلقاء منذ أول صرخة حياة لهم على هذه الأرض
ولكي نجعل من الشباب جيل صالح يجب أن يصلح الأباء أولآ
ولكي نكون قدوة حسنة في نظرهم علينا نحن الأباء أن نراقب تصرفاتنا فلا نأمر بمعروف ثم نأتي بمكنر
وليعلم كل أب وأم أن الأبناء الصالحين نتيجة أباء صالحين فمن يجد في خطواته إعوجاج فعلية تعديل ذلك الخلل فورآ
وفي نهاية مقالي أود توجية رسالة لكل أب ولكل أم
( كفوا ايديكم عن التدخل في شؤون أبنائكم واستبدلوا مخاوفكم عليهم بالحب والثقة بلا زيادة أو نقصان ).
سلمى القحطاني

إقرأ المزيد
الأباء والبنون
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://barq-org.sa/articles/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d9%88%d9%86/