كان صحابة رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أسوداً في المعارك والنّزال، فلقد شهدت ساحات الوغى صولاتهم وجولاتهم التي صدقوا فيها ما عاهدوا الله تعالى عليه، فمنهم من قضى نحبه واستشهد في عهد النّبي الكريم، ومنهم من استكمل طريق الجهاد في سبيل الله تعالى والدّعوة الإسلاميّة بعد ذلك منتظراً إحدى الحسنيين إمّا النّصر أو الشّهادة، ومن بين هؤلاء الرّجال العظام والصّحابة الكرام الصّحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
هو الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، ولد في عام 34 قبل الهجرة في مدينة مكة المكرمة في منطقة تهامه في شبه الجزيرة العربية، وتعود أصوله لقبيلة قريش من أشراف القبائل العربيّة، وتربطه صلة قرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ابن عمه أبي طالب أحد وجهاء قريش، وكما اتّخذه رسول الله وزيراً له، ووفق ما ورد في السلف فإنّ جعفر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتشابهان خُلقاً وخَلقاً، ويعدّ من أوائل من اعتنقوا الإسلام حيث انشرح صدره للدّعوة الإسلاميّة مبكّراً قبل أن يجتمع المسلمون في دار الأرقم، وقد بذل جعفر رضي الله عنه نفسه للدّعوة وتشرّب حبّها قلبه حتّى كان صابراً محتسباً مع من تعرضوا للأذى من قبل قريش بسبب إيمانهم.
عُرف جعفر بن أبي طالب بحسن خلقه، فكان كريماً محباً للمساكين حتى لُقّب بأبي المساكين، وحظي بحب كبير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال عنه بأنه منه، وكان من أكثر الناس خدمة للمساكين والفقراء أيضاً.
هاجر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه مع زوجته أسماء بنت عميس إلى أرض الحبشة، عندما أذن النّبي عليه الصّلاة والسّلام لهم بذلك حيث كان فيها ملكاً اسمه النّجاشي، وكان ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد، وفي أرض الحبشة تزعّم جعفر رضي الله عنه لقرابته من النّبي وسبقه في الإسلام وفد المسلمين الذين التقوا بالنّجاشي وشرحوا له مبادىء الدّين الإسلامي. قد وصلت كلمات جعفر البليغة إلى قلب النّجاشي ولامست شغافه حتّى انشرح صدره للإسلام، فأسلم.
من بطولات جعفر الطيار يوم مؤتة برز جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه كمقاتلٍ عنيد يذود عن حمى الدّين بكلّ بسالةٍ وشجاعة، وقد تجلّت بطولات جعفر رضي الله عنه في غزوة مؤتة التي حصلت في عهد النّبي عليه الصّلاة والسّلام في السّنة الثّامنة للهجرة، حيث جهّز النّبي الكريم جيشاً وأمره بالتّوجه إلى أطراف بلاد الشّام لملاقاة جيش الرّوم. كان جعفر القائد الثّاني لجيش المسلمين بعد زيد بن حارثة رضي الله عنه، حيث استلم الرّاية بعد استشهاده، وعندما استلم جعفر راية الجيش قطع الكفّار يمينه فاستلم الرّاية بشماله، ثمّ قطع الكفّار شماله فاستلم الرّاية بعضديه، ثمّ استشهد رضي الله عنه فطار في الجنّة بجناحيه التي أبدله الله بهما مقابل يديه التي فقدهما فلقّب من يومها بجعفر الطّيار رضي الله عنه وأرضاه.
وارى جثمان جعفر بن أبي طالب الطاهر رضي الله عنه تراب المزار الجنوبيّ في الأردن، وتحديداً في بلدية مؤتة إلى الجنوب من مدينة الكرك.