التسامح لا يقدر عليه إلا القوي، والمغفرة لا تصحُّ إلا من القادر.
أمَّا الضعيف فعفوه مطعون فيه كبيع المضطر ساقط الشرعية.
وقد وصف ربُّنا نفسه في أعظم ما تجلى بعفوه فقال: "غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ".
ومن هنا نفهم إجابة الله تعالى دعوة عبدِه نوح عليه السلام: "فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِر، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ".
كما نفهم قول ربنا في الحديث القدسي جوابا على دعوة مظلوم ولو كان عاصيا، ففي حديث الدعوات الثلاثة المستجابة: وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهَا تُرْفَعُ فَوْقَ الْغَمَامِ ، فَيَنْظُرُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ فَيَقُولُ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " .
الضعيف لا يملك فضيلة العفو، الضعيف لا يملك كرامة التنازل عن حقه، لأن تنازله مذلة وهوان، وهذا يتنافى مع قوله تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ".
لا يملك العفو إلا قوي ولا يصفح إلا قادر ومن لا يقدر على رفع رأسه بعزة وكرامة أنه إنسان فليرفع دعاءه إلى الله تعالى بعزة وكرامة أنه عبد لله، فهو القائل: " فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ".