لعل هوسي بالبيئة العربية الأولى يجعلني متفاعلا مع الطبيعة وانفعالاتها، تلك البيئة التي تلاحمت فيها الأصول الإنسانية بأرقى الطباع الأرضية، واليوم وجدتني وأنا خارج إلى صلاة الفجر وقد استوقفني صراخ الطيور وعراكها عوض ترنمها وشدوها، حتى حسبتُ الأمر في بدايته عراك قطط أو كلاب، ثم رجعتُ من صلاة الفجر وجلستُ هُنَيْهة فإذا بصراخ الطيور يعود وقد ضربت بأصواتها أكباد السماء، وأيّاً كان هذا التعارك وسببه، فالحقيقة أن الخلق الأرضي يجمع صفات مشتركة، يمكننا أن نسميها قواسم أرضية، ترابية، طينية، في النهاية هناك نوع من التخاصم على شيء من زينة الدنيا ومتاعها، ربما أرى ذلك حين أقدم الطعام للحيوانات فإذا بالطباع المختلفة تظهر في اللحظة الأولى لتقديم الطعام، وإذا حيوان يزيح آخر ليأكل هو، وآخر يمسح على كتفه صاحبه كأنما يعلن عن فرحه بسعادة صاحبه وهو يأكل، هذه طباع الخلق الأرضي، طباع تختلف وتتنوع كما هي طبائع الأرض بجبالها وصحاريها ورملها وسبخها، أكتب ذلك ومازال يملأ سمعي ذلك الصراخ الذي يشبه خلافات البشر حين يتنازعون شيئا من حطام الدنيا، ويتقاتلون للحصول عليه، غير آبهين بإزهاق أرواحهم في سبيل الوصول إلى شيء ربما يفوتهم التمتع به.
ولو أنا تعقلنا صراع الوحش والطير، فما لا يمكن فهمه صراع بني آدم الذي ظهر مع أول خطوهم فوق الأرض، وكأنما حنّ الطين فيهم إلى استخراج مكامن طبائعهم، أو كأنما جاذبية الأرض أبت إلا تماسها مع مكونها المتغطرس الدابّ فوقها استكبارا بغير الحقّ، فأنزلته من علو الروح وسموقه إلى دناءة سبخها وحمأة طينها، لتجعل من مواطئ أقدامه حلبة صراع لعقله ووجدانه.
اللهم اجعل ذلك خيرا
نستغفرك ونتوب إليك
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين