أمضيت في العمل بفرع الهيئة بمنطقة عسير مدة تقارب واحداً وثلاثين عاماً وعشرة أشهر ثم صدر قرار معالي رئيس الهيئة بترقيتي على وظيفة مستشار بالمرتبة الثالثة عشرة برئاسة الهيئة بالرياض وباشرت عملي الجديد بتاريخ 17/ محرم 1429هـ وأمضيت ما يقارب خمسة أشهر وبعدها قدمت طلباً لمعاليه بإحالتي على التقاعد المبكر اعتباراً من 1/9/1429هـ ورغم محاولة معاليه إقناعي بالعدول عن ذلك وبقائي على رأس العمل سيما وقد وعدني بالترقية لمراتب أعلى إلا أنى أقنعت معاليه برغبتي في الإحالة على التقاعد سيما وأنا اقترب من بلوغ السن النظامية التي ستكون بتاريخ 1/7/1430هـ ولم يبق لي سوى فترة وجيزة وقلت لمعاليه لقد أمضيت زهرة شبابي في الوظيفة الحكومية وأنا الآن بحاجة للتفرغ لشئوني الخاصة وإفساح المجال لغيري من الكفاءات الشابة وحينئذٍ وافق معاليه على طلبي.
وأقول وبكل صراحة وصدق بأني تسلمت قرار الإحالة على التقاعد بارتياح تام ولم اشعر أبداً بالندم على ذلك واني هنا لأستغرب عندما أرى بعض الموظفين خاصة موظفي المراتب العليا يستميت عندما يقترب من سن التقاعد للبقاء في وظيفته بل ويبذل كل ما في وسعه للحصول على قرار بتمديد خدمته وإذا ما انتهت فترة التمديد طلب التعاقد معه بعد التقاعد رغم أن مرتبه التقاعدي لا يقل كثيراً عن المرتب الذي يتقاضاه وهو على رأس العمل بل قد يزيد عندما يتوفر له نسبة 9% من الراتب كانت تستقطع للمؤسسة العامة للتقاعد واعتقد والله اعلم أن من أسباب هذه الظاهرة الخوف من فقدان المركز الاجتماعي والمكانة التي كان يتمتع بها وهو على رأس عمله وعدم استطاعته تحقيق بعض المصالح الشخصية التي كان يحصل عليها من خلال وظيفته وخصوصاً من هم في مواقع قياديه وأنى هنا لأتوجه للمولى جل وعلا بالثناء والحمد بان متعني بالصحة والعافية والستر والتوفيق طيلة عملي الوظيفي لقد أمضيت سنوات الخدمة بحمد الله دون أن يوجه لي خطاب إنذار أو لفت نظر أو التعرض للمساءلة والتحقيق ولا ادعي العصمة أو الكمال فأنا كغيري من الموظفين أخطئ وأصيب وأتأخر عن الحضور بعض الأحيان وانصرف أحياناً قبل نهاية وقت العمل الرسمي وتتأخر لديَّ بعض القضايا وقد لا يرضى عني بعض الناس ولكن سأكون صادقاً إن شاء الله بأني طيلة حياتي لم أتعود الكذب على احد وكنت اعترف بأخطائي ولم أحاول في يوم من الأيام أن أحمِّل غيري مسئولية خطئي إن كان هناك خطأ أو أختلق الأعذار الواهية للتخلص من المسئولية وهذا ما كان يشفع لي حتى غادرت الحياة الوظيفية على هذا النحو بحمد الله وفضله.
عبدالله الهنيدي

إقرأ المزيد
ذكريات موظف (44).. “وداعًا للوظيفة العامة”
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://barq-org.sa/articles/%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%88%d8%b8%d9%81-44-%d9%88%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8b%d8%a7-%d9%84%d9%84%d9%88%d8%b8%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a9/