القراء الأعزاء، يُقبل شهر رمضان دومًا برياحين الإيمان ونسمات الإحسان، ونؤمل فيه من الله تعالى الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وقد أقبل رمضان هذا العام والعالم بأسره تجتاحه جائحة كورونا؛ مما أدى إلى أن يتخذ المسلمون احتياطات وقائية غير مسبوقة، أثرت على بعض مظاهر احتفال المسلمين بهذا الشهر الفضيل.
ومن مظاهر الخير والبركة في رمضان، أن يجتهد المسلمون في التقرب إلى الله تعالى بفعل الخيرات واجتناب السيئات "يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر"، فتجد من يجتهد في الصلوات والأذكار، وختم قراءة القرآن عدة مرات، وغير ذلك من أشكال الطاعات وفعل الخيرات، وكل ذلك محمودٌ ممدوحٌ، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم.
ولكن ما أريد أن ألفت إليه انتباهكم هو ما هي القيمة المضافة التي سوف تخرج بها من شهر رمضان.. ما الذي تنوي أن تضيفه إلى قناعاتك وأفكارك وسلوكياتك وأخلاقك ومعاملاتك.. ما الذي تنوي أن تغيره في حياتك إلى الأفضل؟.. كيف تستثمر شهر رمضان خلال فترة الحجر المنزلي فتجعل منه قيمة مضافة إليك بدلًا من أن تشعر أنه عبء عليك، وكذلك كيف تطور من نفسك كي تصبح قيمة مضافة في حياة من حولك؛ بدلًا من أن تكون عبئًا عليهم.
القراء الأعزاء، من المعلوم أن التشريع الإسلامي في عمومه ينقسم إلى أربعة أقسام رئيسية هي: العقائد، العبادات، المعاملات، والأخلاق، العقائد: تعني توحيد الله تعالى، التوحيد الخالص من كل أشكال الشرك الظاهرة والباطنة، وفهم عقيدة الولاء والبراء، فالعقيدة الصحيحة هى أول ركن من أركان الإسلام، العبادات: تعني كل الأفعال والأقوال التي تَعَبّدَنا الله تعالى بها، بدليل صحيح، ولا يجوز صرف شيء من تلك العبادات لغير الله تعالى، فلا معبود بحق إلا الله
المعاملات: تعني العقود والعهود والمواثيق والاتفاقيات التي نعقدها مع الآخرين، شفهية أو مكتوبة، والتي يجب أن تكون مشروعة وأن نفي بها حق الوفاء، الأخلاق: تعني طريقة تعاملنا مع الآخرين، وتشمل الآداب والمهارات والأساليب التي نتعامل بها مع الآخرين ونوصل لهم من خلالها أفكارنا ومشاعرنا.
عزيزي القارئ، تَفَحّص تلك الجوانب الأربعة في إسلامك ، فتّشْ في جوانب إسلامك، لعل جانبًا قد أخذ انتباهك على حساب جانب آخر لعلك مُرتاح إلى جانب العبادات لديك فأنت تكثر من الصلاة والصيام والأذكار، ولكن من حولك غير مرتاحين إلى تعاملاتك معهم، فأنت لا تعطي الناس حقوقهم، وتظلم هذا وتأكل مال هذا، وتظن أن ميدان العبادات منفصل عن ميدان المعاملات، وهذا ظن في غير محله فأقسام الإسلام كالجسد الواحد، لعلك مُرتاح إلى جانب الأخلاق لديك، فأنت شخص لطيف خفيف الظل مرح بشوش ناعم الكلمات، ولكن جانب العبادات لديك فيه تقصير كبير ويحتاج إلى وقفة مع النفس ، وكثيرا ما نرى أمثال هؤلاء الأشخاص، الظريف اللطيف الذي لا يهتم بالعبادات أو المعاملات.
إن كثيرًا من المسلمين -للأسف- لا ينتبهون إلى ضرورة التوازن بين تلك الأقسام الأربعة وبالتالي يدخلون شهر رمضان ويخرجون منه دون قيمة مضافة في جوانب حياتهم، وهنا أكرر السؤال مرة أخرى ما هي القيمة المضافة التي سوف تخرج بها من شهر رمضان؟ خاصة في ظروف الحجر المنزلي؛ حيث لديك وقت متاح لمراجعة جوانب القصور في نفسك والعمل على تطويرها، وذلك من خلال القراءة أو متابعة المحاضرات عن بعد أو متابعة المواقع المفيدة على شبكة المعلومات الدولية، ومن باب التطبيق العملي، أرجو منك عزيزي القارئ أن تقوم بهذا التمرين للاستفادة من شهر رمضان "تمرين القيمة المضافة".
حدد ثلاثة قيم تود أن تضيفها إلى حياتك في كل قسم من تلك الأقسام الأربعة، وأن تعتبر شهر رمضان منطلقا لذلك التطوير في حياتك؛ مثلًا، في قسم العقائد: سوف أتعلم أقسام التوحيد، سوف معاني أسماء الله الحسنى، سوف أتعلم صفات الله تعالى، وغير ذلك مثلًا: في قسم العبادات: سوف أتعلم فقه الصلاة، سوف أتعلم فقه الصيام، سوف أدرس فقه العبادات بشكل مبسط يسير ولو بالتدريج.
مثلًا.. في قسم المعاملات: سوف أتعلم فقه البيوع، سوف أتعلم فقه العقود، سوف أفي بالعهود والشروط ولا ألوي زمام المواقف كي أكل حقوق الناس بالباطل، مثلًا.. في قسم الأخلاق: سوف أضيف إلى حياتي ثلاثة أخلاق جديدة، الحلم (ضد العصبية وسرعة الانفعال)، التسامح (ضد تبييت الضغائن والرغبة في الانتقام)، الكرم (ضد البخل والشح وحبس الخير عن الناس).
وفي الختام.. عزيزي القارئ إن شهر رمضان ليس مجرد ظرفًا زمانيًا نجتهد فيه "ثم تعود ريما لعاداتها القديمة" بعد أن ينقضي، بل يجب أن يضيف إلى حياتنا قيمة مضافة، خاصة في هذه الظروف التي يمكن أن نستثمرها، ففيها خير كثير لمن تدبر ذلك، كما قال الله تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
حياكم الله
بقلم: الدكتور ربيع حسين - مستشار سيكولوجي إكلينيكي ومستشار العلاقات الأسرية