يتردد على السنة كثير من رجال القضاء والمحققين وغيرهم أن الاعتراف سيد الأدلة؛ فهل هذه القاعدة صحيحة على إطلاقها أم إنها تحتمل خلاف ذلك؟
من واقع التجربة العملية أجزم أن هذه القاعدة قابلة لإثبات العكس؛ فقد يعترف المتهم بغير الواقع إما خوفاً من إطالة أمد القضية أو مساعدة ً منه للمتهم الحقيقي أو تحت الضغط والإكراه إلى غير ذلك من الأسباب إذكر حالتين من هذا القبيل:
الحالة الأولى: شخص يعمل في احدى القطاعات العسكرية اتهم بالتعديل في السجل العائلي الخاص به وباسرته وذلك بتعديل تاريخ ميلاده بالزيادة عن عمره الحقيقي واعترف امام جهة الضبط الجنائي "الشرطة" انه هو من اقدم على ذلك ولم يقدم مبرراً لفعلته وحين احيلت قضيته للهيئة تم استدعاؤه لاستجوابه والتحقيق معه وقد تمت مناقشته شفوياً قبل فتح محضر التحقيق ما هي مصلحتك من زيادة عمرك ولماذا أقدمت على ذلك فلم يجب بإجابة مقنعه بل اصر على القول انه هو من اقدم على التزوير دون سواه وحينئذٍ لاحظت ان زوجته تكبره ببضع سنوات فشككت في الامر وتوقعت انها هي التي أقدمت على ذلك وانه يريد التستر عليها فطلبت منه احضارها واقنعته بأن التهمة ستوجه لها لأنه اذا اصر على اعترافاته سيكون مصيره السجن ثم الفصل من الوظيفة وسيلحقه الضرر هو واسرته اما الزوجة فهي غير موظفة وربما تؤخذ حالتها وظروفها في الحسبان وبعد تردد اقتنع واحضرها واعترفت بانها هي التي أقدمت على التعديل في سن زوجها في سجل الأسرة مبررة ً ذلك ان بعض النساء اشرن عليها بذلك عندما لاحظن انها اكبر من زوجها سناً وانه ربما يتزوج عليها مستقبلاً بحجة تقدمها في السن وقد أقيمت عليها الدعوى امام المحكمة الإدارية بديوان المظالم وصدر حكم بإدانتها بجريمة التزوير وسجنها لمدة سنه مع وقف تنفيذ عقوبة السجن مراعاة لظروفها الاسرية وظروف اطفالها.
الحالة الثانية: رجل كبير في السن لا يقرأ ولا يكتب اعترف بأنه قام بتعديل تاريخ ميلاد احد أولاده في حفيظة النفوس الخاصة به بزيادة عمره ابنه سنه واحدة ليتمكن الولد من الحصول على بطاقة أحوال والبحث عن وظيفة.
وحين ناقشه احد الزملاء ما هي مصلحتك في التعديل وكيف استطعت ذلك وانت امي لا تقرأ ولا تكتب رد على المحقق بقوله مالك شغل انا اللي زوّرت حطوها في ظهري.
وتم إقناعه بقول الحقيقة ووجهت التهمة للولد واعفي من إقامة الدعوى الجنائية لأنه حدث لم يبلغ سن الثامنة عشر وأحيل لقاضي الاحداث لتأديبه بما يراه وبما يتفق مع سنه وظروفه بعيداً عن تطبيق نظام مكافحة التزوير الذي لا تقل فيه العقوبة عن سجنه سنة كاملة.
وحينئذٍ ادركت أن الاعتراف لم يعد سيد الأدلة وأن هذه القاعدة ليست على اطلاقها في جميع الأحوال.
عبد الله الهنيدي يكتب: ذكريات موظف (16).. هل الاعتراف سيد الأدلة؟
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://barq-org.sa/articles/%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%86%d9%8a%d8%af%d9%8a-%d9%8a%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%88%d8%b8%d9%81-16-%d9%87%d9%84/