لا شك بأن الأمن مطلب أساسي في حياة البشرية وهو مطلب أيضا لتلبية تقدم وتنمية الأوطان والشعوب, وقد قيل لا تنمية من دون أمن ولا أمن من دون تنمية، ونظرا لأهمية تحقق واستشعار فضائل الأمن في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والوطن، تأتي هذه المقالة لتؤكد أن الجميع في هذا الوطن الغالي من مواطنين ومقيمين مطالبين باستشعار المسئولية بالتقيد بشكل عام بجميع الأنظمة والقوانين والتعليمات الأمنية المختلفة والتعاون الفعلي التام مع جميع الجهات المعنية في تحقيق الأمن والإسهام في تعزيزه في كل وقت وكل مكان,وحيث أن مفهوم الأمن قد يغيب عن البعض باعتقاده أن الأمن هو من مهام ومسئوليات الجهات الأمنية فقط دون غيرهم، وهذا المفهوم قاصر ولا يساعد على تحقيق مفهوم الأمن الشامل,فمفهوم الأمن لا يختزل فقط في معنى الأمن الشرطي أو ما يشبه بصورة مطاردة المجرمين والقبض عليهم فقط بل أن الأمن الشامل معناه أوسع بكثير من ذلك,فهناك على سبيل المثال لا الحصر الأمن الصحي, الأمن البيئي, الأمن الغذائي, الأمن الصناعي, الأمن الفكري, الأمن البحري, الأمن المروري, الأمن الإلكتروني, امن الطرق, امن المنشآت, أمن الشركات, أمن المطارات, أمن الموانئ, أمن الوثائق, وهكذا..
ولأننا متفقين بان الأمن في معناه الشامل هو المطلب الرئيس لاستقرار وسلامة الوطن والتي على ضوئه ترتكز وتنطلق مسيرة التنمية بثبات وفي جميع المجالات دون أية مخاطر أو معوقات، يأتي هنا أهمية هذا التعاون الصادق والمخلص مع الجهات الأمنية من قبل كافة القطاعات الحكومية والخاصة وكذلك المواطنين والمقيمين في إسهاماتهم الحقيقية في تحقيق وتعزيز أمن الوطن، حيث أن الجهات المعنية بالأمن الداخلي وتحت توجيهات القيادة الرشيدة -وفقها الله - تقوم بجهود جبارة وعظيمة وفق خطط إستراتيجية أمنية متطورة وعلى مدار الساعة وطوال العام في تنفيذ مهامها وواجباتها باحترافية عالية من خلال تطوير قدراتها البشرية وتحديث إمكانياتها المادية لغرض تحقيق أهدافها من حيث إرساء دعائم الأمن والاستقرار في جميع أرجاء الوطن دون إي استثناء، ولأن الأمن مسئولية الجميع سواء في القطاعات الحكومية او القطاع الخاص، او من خلال المواطنين أو المقيمين، فلعلي أشير هنا إلى أهم المتطلبات الأمنية للجميع دون الخوض في التفاصيل وذلك من خلال الآتي:
أولا: القطاعات الحكومية الغير أمنية تتضاعف مسئوليتها في خلق بيئة أمنة في قطاعاتها وهي مطالبة على الدوام ومن خلال إدارتها وأقسامها الأمنية العمل على رفع الوعي الأمني والسلامة وتثقيف جميع منسوبيها وذلك لتحقيق الجودة الأمنية في جميع مكونات بيئة العمل، وفق إستراتيجية أمنية واضحة تحد من وقوع أياً من منسوبيها في الأخطاء أو المخالفات او الجرائم أيا كانت ومنها ما يسمى بالفساد الإداري أو المالي أو من خلال مخالفة الأنظمة والقوانين أو الإساءة للتعليمات الصادرة بهذا الخصوص، كما أود أن أشير هنا إلى أهم هذه الجهات وهي وزارة التعليم حيث أن تعداد منسوبيها من المعلمين والمعلمات يتجاوزوا النصف مليون بالإضافة أن لديهم أكثر من ستة ملايين طالب وطالبة من أبناء الوطن داخل المملكة وخارجها وهنا فإن مسئولية الوزارة تتضاعف في تحصينهم وحمايتهم فكرياً ,ورفع وعيهم الأمني حتى يكونوا نماذج صالحة وقدوات حسنة في المجتمع وعلى درجة عالية من الإحساس بالمسئولية ويسهموا بفاعلية طيلة أعمارهم في أمن وبناء وتنمية الوطن,كذلك هناك دور رئيس لوزارة الإعلام في نشر الرسائل الإعلامية من خلال قنواتها المرئية او المسموعة او من خلال شبكات التواصل الاجتماعي من خلال إستراتيجية إعلامية أمنية محددة هدفها رفع الوعي الأمني وتحمل المسئولية من قبل الجميع سواء من المواطنين او المقيمين.
ثانيا : القطاع الخاص ,وهذه الجهات عليها مسئوليات كبيرة جدا ولذا عليهم إيجاد أو تفعيل أقسام الأمن لديهم لرفع، الوعي الأمني والسلامة والمتابعة لجميع منسوبيها وخاصة الوافدين، الذين يجهلون الكثير من الأنظمة والتعليمات، حتى يتم تحقيق الأمن والسلامة في منتجات منشأتهم او خدماتهم, وهنا نشير إلى تكرار مخالفات البعض من المؤسسات التجارية سواء من خلال عمليات التستر أو من خلال البيع لمواد فاسدة او مقلدة مما يضر بالصحة العامة أو الغش التجاري او من خلال توظيف عمالة مخالفة لأنظمة الإقامة، وهنا المسئولية تقع مباشرة على التجار و أصحاب المصالح في مراقبة أعمالهم وتجارتهم المتنوعة والمختلفة، والتأكد من عدم ارتكاب المخالفات التجارية و كل ما يضر أو يؤثر على أمن وسلامة المجتمع والوطن.
ثالثا : المواطنين، وهم الشريحة الكبرى في البلاد ,وعليهم دور ومسئوليات مضاعفة للحفاظ على الأمن، وهذا يتطلب منهم رفع الوعي والحس الأمني لديهم, من خلال الاستفسار من الجهات الأمنية المعنية عند الضرورة أو القراءة أو الاطلاع على كل ما يستجد بخصوص هذه الموضوعات، حيث أنهم يشاركون الجهات الأمنية في كونهم أعين ساهرة تحرص على استتباب الأمن دون وجود لأية مهددات أو عوائق تتسبب في حدوث مشاكل أمنية -لا قدر الله - وبلا شك فإن الأسرة والمدرسة والمسجد والمجتمع لهم دور كبير في التربية ورفع الوعي والحس الأمني لدى الأفراد وتحصينهم فكريا من سموم الأفكار المتطرفة او المنحرفة، وحثهم على التقيد بكل ما يسهم في تحقيق أمنهم وسلامتهم والابتعاد عن التيارات الهدامة و الدعوات المحرضة في الخروج عن القيم والدين ومحاربة الوطن.
رابعا: المقيمين، وهم من قدموا إلى الوطن للعمل وفق الأنظمة الصحيحة للإقامة,فهؤلاء هم ضيوف الوطن ,لهم حقوقهم وعليهم واجبات، فحقوقهم كفلها لهم النظام ,وأما الواجبات فهم مطالبين باحترام الأنظمة والتعليمات الأمنية الصادرة من الجهات الأمنية، وعليهم أن يمثلوا أوطانهم خير تمثيل وأن يثبتوا جدارتهم في الأعمال التي قدموا من اجلها دون أي تقصير أو أي إساءة أو ارتكاب لجرائم هم في غنى عنها,وعليهم في حال الالتباس في إي أمر التواصل مع الجهات المعنية الأمنية للاستفسار أو في حال الرغبة في الإبلاغ عن إي مخالفات أو أي جريمة قد تحدث -لا سمح الله - كل ذلك أولاً من اجل أمنهم وسلامتهم وثانياً حتى عودتهم لبلادهم سالمين.
وهذه بعض التنبيهات الهامة التي تناولت الإشارة إلى بعضها وليست جميعها فالموضوع لا يمكن تغطية جميع تفاصيله من خلال هذا المقال,ولعل ما نعيشه في هذه الأيام من انتشار جائحة وباء كورونا وما ترتب عليه من بقاء الجميع في منازلهم تبعا للتعليمات الصحية والأمنية من الجهات المختصة ليثبت لنا أهمية الوعي الأمني المجتمعي حيال هذه المواقف المشرفة في الاستجابة والسمع والطاعة للتعليمات أول بأول، أن الجميع مسئول مسئولية تامة في التعاون الإيجابي والمرن في تحقيق الأمن والعمل على تعزيزه، مع كافة الجهات الأمنية للحفاظ على امن واستقرار المجتمع والوطن.
بقلم عبد الله مفرح عسيري
مستشار أمني